طوال سنوات التغيير الماضية كثر الحديث عن ضرورة فصل الدين عن الدولة. وظهر كالعادة فريقان مؤيد ومعارض. اما المؤيدون فغالبيتهم من الاسلاميين ممن ينتمون الى احزاب اسلامية او متاسلمون وجدوا في ركوب موجة التدين ضرورة من ضرورات عصر الموجة الاصولية التي اجتاحت المنطقة والعالم. اما المعارضون فهم نقيض هؤلاء تماما فهم اما من بقايا التيارات العلمانية او الليبرالية او القومية التي تحمل نظرة سلبية عن الدين ورجاله مثلما يحمل رجال الدين نظرة سلبية عن القومية سواء كانت عربية ام غير عربية على اساس ان الدين عابر للقوميات وان الدين الاسلامي حصرا هو رسالة عالمية اوهم من بعض رجال الدين الذين قرروا ركوب موجة معارضة رجال الدين لاسباب خاصة بهم. وبين هذين الفريقين سارت العملية السياسية عندنا بنوع من التوازن الهش على كل الاصعدة. فلا الولايات المتحدة جاءت معها بعصا سحرية لحل مشاكل العراق التي اثبتت الاحداث انها اكبر بكثير من طاقتها على تحملها, ولا من جاء مع الاميركان سواء على ظهور الدبايات او غير الدبابات يملك تصورا واضحا او حتى مشوشا عن طبيعة الوضع في العراق والكيفية التي يمكن ان تسير بموجبها الامور والاوضاع في مرحلة مابعد استلام السلطة. حتى السلطة ذاتها فانها تحولت الى مشكلة داخل الادارة الاميركية .. مرة بين غارنر وبريمر ومرة بين رامسفيلد وكولن باول وعلى طول الخط بين المحافظين الجدد وغير المحافظين الجدد او بين الدفاع والخارجية. وسرعان ما انسجبت هذه المشكلة على (جماعتنا) ففي الوقت الذي صعد فيه الى منصب رئيس الجمهورية شيخ عشيرة مثل غازي الياور لم يكن جزء من حركة المعارضة وقواها فقد توارى عن الانظار رجلا مثل احمد الجلبي انطبق عليه ماقاله الرئيس جلال طالباني بشانه (يامن تعب يا من شقه .. يامن على الحاضر لقه) ويقصد ان الجلبي تعب بينما نال المناصب والوجاهات اخرون جاءتهم على الحاضر. وعلى هذه الشاكلة او قل (الرنة) سارت سفينة السلطة متارجحة في بحر من المشاكل والخلافات. ولان الجميع استمرا نظرية السلطة ولوعلى طريقة (الامارة ولوعلى حجارة) فان جميع من ظهر بعد الاحتلال او التحرير او السقوط او التغيير او قل ماشئت من كلمات او مفردات او مفاهيم زعماء او قادة احزاب او تجمعات او قوى او طوائف اواديان او مذاهب او عشائر اعتبر نفسه هو السلطة وهو المعارضة معا .. هو الراي والراى الاخر .. هو الامر والناهي .. هو الخصم والحكم. مع ذلك فان الشعب العراقي الذي قضى عمره بـ (التصفيق) والهوسات .. وهاخوتي ها.. وعد عيناك ووين تريد خذنا ووين الكهرباء وين الماي وين النفط والغاز واليوصل حدنه انكص ايده .. ووين السادة المسؤولين وليش الامتيازات بس الهم .. اقول ان الشعب العراقي لايملك سوى ان يتثاءب بانتظار الثورة البنفسجية القادمة. لكن من الواضح ان امر هذه الثورة البنفسجية يختلف عن امر الثورات التي مضت. فما مضى من ثورات وان كان يحمل في طياته نوعا من التداول السلمي للسلطة لكنه في حقيقته وجوهره ظاهري فقط. فالتصفيات بين ابناء الطبقة السياسية قائمة على قدم وساق مرة اغتيالات ومرة تفجيرات والخسائر احيانا بالمئات وهو مايعني وفي حساب الكثير من الثورات والانقلابات العسكرية ان الاخيرة ارحم بكثير لان بعضها لايخلف خسائر لا بالارواح ولا بالمعدات. ان مشكلة الطبقة السياسية العراقية الحاكمة حاليا هي انها ارتضت هذا السلوك السلطوي بحيث ان كل شئ بات يجري تسويته طبقا لنظرية الحلول الوسط. ليس هذا فقط فهناك ماهو اكثر من ذلك. فعند الحديث عن التحالفات لخوض الانتخابات فان الطاولات كثيرا مايجري قلبها بحيث تصبح عملية التحالف هي الهدف طبقا لنظرية لاتوجد (خطوط حمر) على اي احد. لكن الامر بالنسبة لبعض كبار رجال الدين وفي مقدمتهم السيد السيستاني يختلف تماما لاسيما عندما يجري الحديث عن القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة. وهنا لا اريد ان اكرر ما كتب وقيل عن هذا الموضوع وكيف ان السيد السيستاني وقف منه موقفا حازما وذلك باعتماده القائمة المفتوحة والدوائر المتعددة, بل ما اريد قوله هنا اننا لو عدنا الى عملية فصل الدين عن الدولة وانا من مؤيديها تماما وعدم تدخل رجال الدين بالسياسة وهو ما اؤيده ايضا لكن يجب ان نسال انفسنا اول الامر .. اين هي الدولة التي ندعو الى فصلها عن الدين؟ واين هي السياسة التي ندعو لعدم تدخل رجال الدين بشؤونها؟ اذا كنتم تسمون مايجري لدينا على انه من صميم عمل الدولة فانتم مخطئون. واذا تصورتم ان مايجري هو عملية سياسية بالمعنى الواضح للعملية السياسية فانتم واهمون. ان مايجري عندنا هو خليط من عمل العشائر والمليشيات والاحزاب والكتل والطوائف والمذاهب بعيدا تماما عن تاسيس دولة المؤسسات او القانون مثلما هي الشعارات المرفوعة او الائتلافات او التحالفات. فاصل الحكاية ان الجميع سلطة والجميع معارضة والجميع يؤيد سرا ما يعارضه علنا والجميع يشيد بدور المرجعية ورجال الدين ويعمل بعكس توجيهاتهم وارشاداتهم .. ونحن بوصفنا مواطنين صالحين مصفقين اناء الليل واطراف النهار وبالعشي والاسحار لانملك سوى ان نطلب من السادة الاجلاء رجال الدين وهنا اميز بين نوعين من رجال الدين لان العديد من رجال الدين عندنا هم جزء من الحراك السياسي بوصفهم زعماء احزاب او مرشدين لها . فما اقصده هنا هم المراجع الكبار واقول لهم .. الحقونا فقد خذلنا السياسيون ورب الكعبة .. بعد ان شبعنا تصفقيا لهم في العلن وشتمهم في السر .. فنحن مثلهم هذا الخبز من تلك العجينة.